دينا محمود (لندن)

كثفت شركات الطيران الأميركية الكبرى ضغوطها على إدارة الرئيس دونالد ترامب، لدفعها إلى اتخاذ خطواتٍ أكثر صرامةٍ، لمواجهة تنصل قطر من تعهداتها الخاصة باحترام اتفاقيةٍ مبرمةٍ مع الولايات المتحدة، تلزم الناقل الوطني المملوك للدوحة، بالكف عن محاولاته الحصول على حصةٍ غير عادلة من السوق في أميركا، وزيادة عدد الرحلات المباشرة التي يُسيّرها لمطارات هذا البلد، دون التخلي في الوقت ذاته عن الدعم الحكومي الهائل الذي يحصل عليه من «نظام الحمدين».
وفي أحدث تحركٍ لها على هذا الصعيد، أطلقت مجموعةٌ تمثل أكبر ثلاث شركات طيران في أميركا، وتعبر كذلك عن نقاباتٍ للعاملين في قطاع الطيران المدني في البلاد، تحذيراً شديد اللهجة من تمادي النظام القطري في محاولاته خداع البيت الأبيض، عبر مواصلة انتهاك الاتفاق المبرم مع إدارته بشأن احترام قواعد المنافسة قبل نحو 15 شهراً.
ويُلزم الاتفاق شركة «الخطوط الجوية القطرية» بعدم تسيير رحلات طيرانٍ تقصد الولايات المتحدة من مطارات دولٍ أخرى، بخلاف مطارات قطر نفسها، وهو ما يحاول «نظام الحمدين» التحايل عليه عبر استغلال صلاته المثيرة للجدل بشركة «آير إيطالي» التي يمتلك حصة لا يُستهان بها من أسهمها.
وفي تصريحاتٍ نقلتها صحيفة «واشنطن تايمز» الأميركية واسعة الانتشار، قال سكوت رييد المتحدث باسم مجموعة «الشراكة من أجل سماوات مفتوحة تسودها قواعد المنافسة العادلة» إن «سلوك قطر حيال هذه المسألة يشكل إهانةً سافرةً للرئيس ولوزير الخارجية (مايك بومبيو) وللشعب الأميركي» بأسره.
وفي الآونة الأخيرة، صعّدت هذه المجموعة - التي تضم شركات «دلتا آيرلاينز» و«يونايتد آيرلاينز» و«أميركان آيرلاينز»، بجانب النقابات الخاصة بالعاملين في قطاع الطيران - حملتها العنيفة ضد النظام القطري، ما بلغ حد شرائها قبل أيام صفحةً إعلانيةً كاملةً في عددٍ من الصحف الأميركية الكبرى، لنشر مطالباتٍ للرئيس ترامب بضرورة إجبار الدوحة على الالتزام بذلك الاتفاق الموقع معها العام الماضي.
وأشارت المجموعة إلى أن «القطرية» تستخدم «أداتها الإيطالية» - التي تمتلك 49% من أسهمها - في انتهاك الاتفاق اعتباراً من يونيو من العام الماضي، من خلال الرحلات التي تُسيّرها «آير إيطالي» إلى العديد من المقاصد الأميركية، والتي أُضيفت إليها ميامي خلال الشهر الجاري.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي أكد الأسبوع الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أن إدارة ترامب «تراقب عن كثبٍ شديدٍ» العلاقة المريبة القائمة بين الشركتين، فإن المتحدث باسم مجموعة «الشراكة من أجل سماوات مفتوحة تسودها قواعد المنافسة العادلة» شدد على أن ذلك غير كافٍ وأن «الإدارة (الأميركية) بحاجةٍ إلى فرض الاتفاق» على القطريين بالقوة.
وأعرب رييد عن خشيته من أن تكرر إدارة ترامب الأخطاء التي اقترفتها الإدارة السابقة بقيادة باراك أوباما حيال ملف الحفاظ على حقوق شركات الطيران الأميركية في مواجهة المنافسة غير المشروعة التي ينخرط فيها الناقل الجوي للدويلة المعزولة، وقال إن ما يحدث الآن يفيد بأن الأمر لم يختلف عما كان عليه في عهد الرئيس الأميركي السابق، مُشيراً إلى أن وزارة الخارجية خلال حقبة أوباما «لم تفعل شيئاً» للتصدي للألاعيب القطرية. ووجه رييد نداءً للرئيس ترامب للتدخل الفوري من «أجل ضمان احترام قواعد المنافسة العادلة، والحيلولة دون الإضرار بفرص العمل المتوافرة للأميركيين».
وأضاف بالقول: «نحن نعول على الرئيس ترامب لكي يثبت أن هذا البلد لن يقبل بمثل هذه الصفقة الساذجة» المبرمة مع النظام القطري، مُحذراً من أن المساعدات الحكومية الهائلة التي تمنحها الدوحة لـ «القطرية» تلحق أضراراً بالغةً بشركات الطيران الأميركية التي لا تحظى بفرصٍ مماثلة، وهو ما يؤدي إلى تهديد ما يصل إلى 1.2 مليون وظيفة في الولايات المتحدة.
ويتفاقم هذا التهديد مع عجز الإدارة الأميركية حتى الآن عن التصدي للتحالف المشبوه القائم بين «القطرية» و«آير إيطالي» التي تعتزم أن تُسيّر خلال شهور رحلاتٍ إلى مدينتيْ لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو انطلاقاً من مدينة ميلانو الإيطالية، وذلك بُعيد إطلاق الشركة مسارين ملاحيين من المدينة نفسها إلى نيويورك وميامي.
بجانب ذلك تقدم الشركة - بإيعاز من المسؤولين القطريين - عروضاً مخفضةً على رحلاتها إلى الولايات المتحدة من مقاصد بعيدةٍ مثل الهند، وهو ما تضمن تسيير رحلاتٍ من نيودلهي إلى نيويورك ذهاباً وعودة بما لا يتجاوز 900 دولار أميركي فقط للراكب، خلال الشهور الأولى من العام الجاري.
ولا تقتصر مساعدات الشركة القطرية لـ«آير إيطالي» على الأموال وحدها، بل كشفت مصادر مطلعة على العلاقات الوثيقة بين الشركتين، النقاب عن أن الناقل الوطني للدويلة المعزولة يعكف حالياً على تقديم ما استحوذ عليه مؤخراً من طائراتٍ جديدةٍ، تبلغ قيمتها مليارات الدولارات إلى الشركة الإيطالية، بما يشمل طرزاً مثل بوينج 787 و737.
كما أن الخطوط الجوية القطرية - التي تعاني من خسائر فادحةٍ جراء المقاطعة المستمرة لنظام تميم منذ منتصف عام 2017 - تخطط حالياً على الأرجح لشراء طائراتٍ أكبر من طراز بوينج، مثل تلك المنتمية لطراز 777 وأخرى من طراز آيرباص آيه 350 إس، وضمها لأسطول الشركة الإيطالية.
ومن بين الخطط، تعزيز أسطول هذه الشركة بـ 50 طائرةً جديدةً بحلول عام 2022، من بينها طائرات تنتمي إلى طرزٍ مُكلفةٍ للغاية، مثل «بوينج 787 دريملاينر»، وكل ذلك مدفوعٌ مقدماً من جانب«القطرية»، التي وافقت أيضاً على تأجير طائرةٍ مملوكةٍ لها من طراز «آيرباص 330»إلى الشركة الصغيرة التابعة لها.
ويقول المعنيون بصناعة الطيران في العالم إن حصول شركة الخطوط الجوية القطرية على مساعداتٍ حكوميةٍ مُوثقةٍ تُقدر بأكثر من 25 مليار دولار، تجعل بوسع الكثيرين اعتبار أن «آير إيطالي» تحظى بدعمٍ حكوميٍ من جانب الدوحة هي الأخرى، وهو ما يفسر أسباب عدم نأي الشركة الإيطالية بنفسها عن الشركة المالكة لنحو نصف أسهمها، مهما كان الجدل المحيط بها.
وتتزايد الشكوك في الهدف الحقيقي وراء ضخ الناقل الجوي لقطر أمواله في الشركةٍ الإيطاليةٍ، في ضوء أن ذلك تزامن مع توصل الدوحة وواشنطن لاتفاقهما الأخير، الذي يرغم الدويلة المعزولة على تقييد أنشطتها في أجواء الولايات المتحدة، من خلال عدم تسيير ما يُعرف برحلات «الحرية الخامسة» إلى المطارات الأميركية، وهي أي رحلاتٍ تنطلق من دولةٍ ثانيةٍ بخلاف قطر صوب الدولة الأكبر في العالم. كما تتضمن تعهدات قطر بمقتضى تلك الاتفاقية إضفاء قدرٍ أكبر من الشفافية على الأنشطة التي تقوم بها شركة الطيران الوطنية التابعة لها، في الأراضي الأميركية.